اتحاد الأدباء ينظم ندوة عن أدب العلامة الشاعر حمدا ولد التاه رحمة الله عليه

  • Posted on: 8 May 2025
  • By: admin2

نظم اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، مساء أمس الأربعاء (8 مايو 2025غ)، بقاعة الأنشطة بمقره في نواكشوط، في إطار برنامجه الأسبوعي "شاي الأربعاء"، ندوة عن أدب العلامة الشاعر حمدا ولد التاه رحمة الله عليه، حيث قدم الأستاذ محمدن ولد سيدي الملقب بـ"بدنّ"، قراءة في أدب الشيخ حمدًا بن اتّاه (1933 - 12 فبراير 2024 م )، وذلك وسط حضور نوعي.

وفيما يلي نص المحاضرة:

قراءة في أدب الشيخ حمداًً بن اتّاه( 1933 -  12 فبراير 2024 م ) رحمه الله ….

 

هو العالمُ الجليل حمداً لوالده العلامة سيدِي بن المختار أمُّ الملقب اتَّاه (1292 - 1362 هجرية) ولأمه لبابَ بنت العلامة محمد فال الملقب ببها، واتّاه وببّها هما ابنا العلامة محمذن بن العلامة أحمدْ بن العلامة محمدْ العاقل بن العلامة الجليل محنض بن الماحي بن المختار اگدَ عثمان .

ومَحنض بن الماحي هذا كان من الجماعة الخاصة لابن عمه الإمام ناصر الدين وهو شيخ اتييْرنو سليمان بالْ في العلم وقد بلغ فيه شأوًا كبيرا إلى درجة أن الإمام ناصر الدين أمره بالتفرغ للتدريس آنذاك بحجة أنه قدْ تعيَّن عليه مستدلا بقوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122].

و بإشارة من الإمام ناصر الدين ، تزوج العلامة محنض بن الماحي إحدى طالباته في المحظرة هي شقيقة العلامة أچفغَ مينحنَ مريم بنت القطب الشريف مودي مالك فرُزق منها ذرية طيّبةً منها العلامة محمدْ العاقل الجد الجامع للأسرة المشتهرة بالعلم والصلاح والسيادة والقَبول وفي شيخنا حمداً تجسد كل هذا الإرث الكبير وزيادةً إذْ يروي عنه الأستاذ عز الدين ابن شيخنا گرايْ بن أحمدْ يوره رؤيا عجيبة مفادُها أنه " زار جده محمذن بن أحمد بن العاقل في مدفن "الميمون" فلما انتهى من زيارته رافقه الجد إلى جده : أحمد بن العاقل في مدفن "انْبَنْبَ" فزاراه ثم رافقهما أحمدْ إلى الشيخ سعد أبيه في مقبرة "النمجاط" ثم إلى لمرابط محمذن فال بن متالي في "انوعمرتْ" ثم إلى الولي أحمد بزيدْ في "تمغرتْ" ثم إلى الشيخ سيديا عند "تِندَوجَه" وفي كل مرة يصاحبهم من جاؤوا لزيارته، يقول الشيخ حمدن : حتى إذا اجتمعو كلهم حلَّقوا في الهواء وانصهروا وكأنما تكونت من ذلك الانصهار فصرت في الرؤيا ألمس مكانا من جسدي تلوَ الآخر وأقول في كل لمسة هذه لَبِنةٌ من محمذن وهذه لَبنة من الشيخ سعد أبيه وهذه لبنة من فلان إلى غير ذلك ...

ومحمد العاقل هذا هو الذي يصفه والدْ بن خالُنا في مقدمة شرحه الشيخ خليل بشيخ شيوخه ويقول عنه إنه " قطب رحى مكانه، وإنسانُ عين زمانه ، المبرِّزُ الفائق لأقرانه، المجيلُ في العلم الجائل في ميدانه ، الفحلُ من فحوله ، الضاربُ في فروعه وأصوله ، السميذعُ الحلاحلُ" وبينهما مراسلات فقية منظومة.

وقد كان العلامة سيدي ولد اتاه شاعرا ومن بديع شعره قوله :

بادرْ إلى الكاس واشربها بأنفاس
واخترْ لها الكيِّسين دون غيرهمُ
 

 

وخذ من العظم بين الكاس والكاس
فلن تطيب كؤوس دون أكياسِ
 

ومنه كذلك  :

هيئْ الكأسَ صاح وقت الصباحِ
لا يكاد الجليس ينكر منهمْ
ما لهم لغوٌ غيرُ ذكر لغاتٍ
أو أحاديث أسندوها لوهبٍ
أثبتتْ فضلهم عدولُ حياءٍ
بيِّناتٌ قضتْ قضاةُ المعالي
هكذا هكذا تكون الندامى
 

 

بين غرٍّ شم الأنوف صِباح
غيرَ قرب الجنى وخفض الجناح
صُحّحت باللسان أو بالصحاح
وعطاءٍ ونافع ورباحِ
وذكاء وعفة وسماحِ
بزكاها فما لها من جراح
لا شِداد الأيدي عِظام المساحِ !
 

توفي العلامة سيدي بن اتاه عن ابنه حمدن وصنوه ببَّها ( ببَّ علما )  ولمّا يبلغا الحلم فنشآ في حضانة أمهما لبابَ وأخويها الآنفيْن.

وفي رثاء العلامة سيدي بن اتّاه  يقول العلامة محمد بن أبي مدين :

قضى العلْم والإكرام للضيف في اللأْوى
إمامٌ بحفظ الدين قد كان مولعاً
وكم رمَّ ما أثأتْ يدُ الجهل في الورى
توخَّى طريقَ العدل دون سوائها
وكان على العِلاَّتِ سمحا مُرَزَّأً
وكان جزاه الله خيْر جزائه
سقى الله مثوًى ضمه كلَّ رحمة
وكان لذاك الآل من بعد فقده
وبارك في أبناء أحمدَ كلِّهمْ
بجاه الوجيه الهاشميِّ محمدٍ
 

 

غداة أوى المرضيُّ سيد إلى المأوى
فكم ذبَّ عنه بالأدلة مَنْ ألوى
من العلم ما يُملي من الحكم والفتوى
كما قد توخاها أبوه ولا غروَا
صبورا إذا ما غيرُه أظهر الشكوى
من الأولياء السالمين من الدعوى
وأولاه ما يرضاه في ذلك المثوى
بعونٍ ولطف صارفيْن عن البلوى
ذرى الخمس أربابِ الفضائل والتقوى
عليه من الله الصلاةُ كما يهوى.
 

أمًا الوالدة لبابة بنت ببها فهْي التي يقول المختار بن حامدن في رثائها :

إلى ربها سارت لبابةُ "ببها"
تُبَوأُ فيها روضةً من رياضها
تتابع مصًّا من كؤوس رحيقها
إلى غير هذا من نعيم تحبُّه
فنحن به ندعو لها اليوم ربنا
سلام عليها ما أمر فراقها
وتَبقى رياحُ النصر من بعدها على
تثير سجايا من سرور ونعمة
يعيشون منها فى حياة مليئة
ويشبه فيها بَبَّ مختارَ أمه
ويحفظ آلُ الشيخ أحمدَ هديَه
ولله صيت عمَّ من أوليائها
وتبقى لديمانٍ من "النيَّ " ثمرةٌ
 

 

لتحمل من جناته جَلَّ غَبَّها
تَقَرُّ بها عينا وتُفرِحُ قلبها
ومن لبَن عذبٍ تتابع عبَّها
نحب لها ما تشتهى منه حُبَّها
وكانت به تدعو له الأمسِ ربَّها
وأبرك لقياها وأنعم قربها
عشيرتها دأبا تواصل هبَّها
تفيض على نعمَ العشيرةُ صبَّها
من اليسر والخيرات والعز والبها
ويشبه حمداً والدَ الأمِّ ببها
فبورك فيها أسرةً ما ألبَّهَا
وقرَّائها شرقَ البلاد وغربَها
ولُبٌّ كما كانت لبابة ببَّها.
 

والنيَّ بنت امّييْ رحمها الله هي المعنية في قول اتاهْ :

إن تُصبِح النيَّ فرحى النفس بعد مَيَيْ
لم يؤسها وحدها ذاك المُصابُ فقدْ
إن تصبرْ النيَّ نصبر كلُّنا ومتى
 

 

فلا نبالي إذنْ من أن نزور عُلَيْ
آسى الزوايا وآسى مغْفرَ بنَ أُدَيْ
لم تصبر النيَّ كان الصبرُ أصعبَ شيْ !
 

دراسته المحظرية والنظامية..

درس الشيخ حمداً القرآن الكريم على ابن عمه القارئ المشهور سيدِي بن محمدْ بن والدْ بن الحريري. كان يقول لي رحمه الله بالحسانية :" آن القرآن مان حافظ يغير متغرّظ فيه "!

أما العلم فقد أخذه عن كل من :

⁃ خاليْه : القاضي محمذن  "اميي"، والقاضي حامدْ ابنيْ محمد فالْ المشتهر بلقبه "ببها" أو ببها الأول كما يسميه المرحوم محمد المختار بن ابَّاهْ.

⁃ ابنَيْ خالتِه العلامتيْن: محمدن وكرَّايْ ابنَيْ محمد باب بن امحمد بن أحمد يورَ .

⁃ لمرابط محمدْ سالمْ بن ألمَّا اليدالي؛

⁃ شيخ الشيوخ العلامة محمد عالي بن محنض الأبهمي ( ت يوم الجمعة 18 جمادَى الأخيرة عام 1390هـ ) وهو أبرز شيوخه وقال لي الشيخ حمداً إنّ شيخه محمد عالي قال له مرة : قرأتَ علي ثلاثة فنون ما  قرأها عليّ غيرُك وهي : الجُمَل للخونجي في المنطق والجبْر و علم النيْم . سألتُ الشيخ حمدن عن علم النيمْ فقال لي إنه قريب من ما يعرف بسر الحرف!وأما الجبرُ فهو Algèbre  فرع من الرياضيات وأما كتاب الجمل للخَوَنجي فقد اطلعتُ عليه مرة في مكتبة أهل محمد عالي وقال لي الشيخ حمداً رحمه الله إنه مستوى عالٍ من المنطق ( حدْ استوفى المنطق إگدْ إفيْتَگْ بيه حجج المناطقة )!وبالمناسبة يروي شيخنا الشيخ بن حمَّ حفظه الله ورعاه أنه نزل مرةً ضيفا على القاضي حامدْ بن ببها في مقر عمله في المذرذرة (وهو خالُ حمدا وشيخه) فقال له :" مرّ بنا العلامة محمد عالي بن محنض في طريقه إلى السنغال وقال لي بالحسانية " حمداً بعْد عادْ يعرف المنطق"! بمعنى أنه أصبح بارعا فيه!

وسمعتُ شيخنا الشيخ بن حمَّ الصعيدي يقول (وكان من صغار الطلاب في محظرة محمد عالي هو والولي محمذن ولد محمودًا) إن شيخه محمد عالي بن محنض قال له إنه خلال دراسته المحظرية في انيِفْرارْ ربما زار في العطل أسرته في ضواحي " بئر البركه " المسمَّى احسيْ الرحاحلهْ لاحقا سيرا على الأقدام (حوالي 30 كلم ) وكان خلال سفره ذلك يقرأ من حفظه نص الألفية و طرتها و نص احمرار ابن بونه وطرته "!

وكذلك حدثني الشيخ عليّ الرضا بن محمد ناجي الصعيدي قال: سألتُ العلامة گرّايْ بن أحمد يوره ليلةً عن من هو أعلمُ من يعرف من العلماء فأطرق هنيهة ثم قال جازماً : " إنه شيخنا محمد عالي بن محنض "!

وسمعتُ شيخنا الشيخ بن حمَّ الصعيدي يقول (وكان من صغار الطلاب في محظرة محمد عالي هو والولي محمذن ولد محمودًا) إن شيخه محمد عالي بن محنض قال له إنه خلال دراسته المحظرية في انيِفْرارْ ربما زار في العطل أسرته في ضواحي " بئر البركه " المسمَّى احسيْ الرحا لاحقا سيرا على الأقدام (حوالي 30 كلم ) وكان خلال سفره ذلك يقرأ من حفظه نص الألفية و طرتها و نص احمرار ابن بونه وطرته "! (قصة محاظر إدابلحسنْ والسبع )..

وكذلك حدثني الشيخ عليّ الرضا بن محمد ناجي الصعيدي قال: سألتُ العلامة گرّايْ بن أحمد يوره ليلةً عن من هو أعلمُ من يعرف من العلماء فأطرق هنيهة ثم قال جازماً : " إنه شيخنا محمد عالي بن محنض "!

وسمعتُ الشيخ بن حمَّ  مرة يقول :" كنت أقرأ مرة في نهاية الستينات على شيخي محمد عالِ بن محنض رحمه الله من ألفية ابن مالك مشفوعةً باحمرار شيخ الشيوخ العلامة المختار بن بونه الجكني ( 1080 - 1220 هجرية) من الموصول الحرفي ضمن درسنا المحظري اليومي ولكنني لم أستوعب الدرس يومذاك بالقدر الذي تطمئنُّ له نفسي .. وفي الليلة الموالية رأيتُ في ما يرى النائمُ لمرابط محمد سالم بن ألُمَّا اليدالي  (1302 - 1383 هجرية ) ولم أره قط في حياتي - فأخذ يدرسني الألفية من بدايتها حتى نهايتها ! قال: و لم أحدث أي أحد قطُّ بتلك الرؤيا. و بعد ذلك التاريخ بعقود ، لقيت العلامة الشريف السملالي يابَّ بن محمّادي السالكي رحمه الله  ومما حدثني به أن شيخه لمرابط محمدْ سالم بن ألُمَّا حدثه أنه رأى مرة في ما يرى النائمُ شيخ الشيوخ المختار بن بونه فأقرأه ألفية ابن مالك ابتداءً من الموصول الحرفي حتى نهايتها "!

قال الشريف العالم محمدْ معروف بن لمرابط السملالي حفظه الله معلقا على هذه القصة : "حدثني شيخي يابَّ غير مرة برؤيا لمرابط محمد سالم بالعلامة المختار قال إنه حدثه بها وهو يدرس عليه من باب اسم الفاعل ضحوة وهما خارج الحيّ وأنه قال له:" كان لا يراجع من شدة الحدة "! يقول الشيخ ياب فقلت له كيف ذلك ؟ يعني كيف درستم الألفية عليه فأجابني قائلا ( مشِّ .. ذاك ماهو مگْبوظْ ابليد )!

هذا وقد رثى الشيخ حمداً شيخه محمد عالي بالقطعة التالية :

ستبكي المشكلاتُ بكل ناد
ويبكي الكحلُ والفرس المجلّي
وتبكي النون رافعةً يديها
وتنتحب المطالب وهي سبع
وتُمسي الكليات بغير سور
وما قال السيوطي والسكاكي
وأوراد الجنيد وفرقتيه
وتهتك حرمة المشهور جهرا
لفقد الشيخ قدوتنا جميعا
وقلَّب راحتيه بكل فن
محمد عال عالم كل فن
جزاه الله أكبر ما يجازى
وبوأه الجنانَ وكلَّ خير
وبارك في بنيه وفي ذويه
مشينا والوقار بنا محيط
وقلبي في وداع الشيخ يدعو
سيرعى "الداهُ" ما جمعت يداكم
صلاة الله يشفعها سلام
 

 

ويبكي النص أحمرَ في المداد
وتنتحب الحلاوة في سواد
لأسرار ذهبن من البلاد
وينقلب اللزوم إلى عنادِ
وما تحوي الخلاصةُ من مراد
وما تحوي المقاصد والمبادي
وتطهير القلوب من الفساد
وتنتشر الجهالة في العباد
إذا ما السائلون أتوا بَداد
وبين في انعكاس واطراد
ومحيي العلم في ظلم الدئادي
إمامٌ قد تفانى في الجهاد
وألهمنا الرجوع إلى الرشاد
يناديهم لنجدته المُنادي
تشيِّعنا السكينة بائتاد
ليشكره حمادِ لكم حمادِ
ويرفعه "البشير" على عماد
على خير البرية خير هاد.
 

ورثاهُ كذلك العلامة شمَّادْ بن امْحمدْ بن أحمد يوره  بأرجوزة أرخ فيها لحياته يقول في أولها

بذا الفقيه اللذْ قضى لم يوجَدِ
يمتاز بالعلم وبالمعالي
 

 

في ذا الزمان مثله من أحد
وبالمحامد محمدْ عالي
 

وممن رثاهُ من طلابه العلامتان : محمدن وگرّايْ ابنا محمدْ بابَ بن امْحمدْ بن أحمدْ يوره .

يقول محمدن بن محمد باب في مطلع قصيدته :

 

إني أعزي بيوت العلم والأدب
إلى أن يقول :

لله شيخي وما شيخي إذا انعقدتْ
قد يعلم العلما إن جاء مجلسهمْ
ويقول گرايْ في مطلع قصيدته :

حوادث الدهر قد أبدت لنا العجبا
 

 

والجود والزهد والإخلاص والقرب
 

مجالس الفرق بين الحق والكذب
بأن في الخمر معنى في العنب
 

وأظهرت من خفيّ الغيب ما احتجبا
 

ويقول فيها:

يا شيخ لمْ ننسَ أيامًا تعلمنا
تظل من علمك الصافي تعللنا
 

 

فيها فيسهل للأفهام ما صعُبا
فيرتوي الجاهل الصادي بما عذُبا
 

وممن رثاه أيضًا من أهل انيفرار : الاستاذ محمد فال بن عبد اللطيف و المهندس عبد الرحيم بن أحمد سالم و الأستاذ محمد سالم بن عبد المؤمن و حدُّ ولد محمذن باب بن داداه (امنِّ علما ) رحمه الله.

هذا عن دراسته المحظرية ، أما دراسته النظامية فقد تابعها في تونس بُعيْد الاستقلال إذ سافر إليها رفقة بعض الطلاب الموريتانيين من ضمنهم شقيقه "بَبَّ" وذلك في إطار تكوين عصري استفاد منه عدد من شباب الدولة الموريتانية الناشئة .

 

الشيخ حمداً الموظف :

 

ابتدأ الشيخ حمداً حياته الوظيفية معلما في مدرسة ابَّيْر التَّورس الابتدائية قبيْلَ الاستقلال، ثم واصل التدريس لاحقا بعد عودته من تونس معلما ثم مفتشا في التعليم الأساسي ثم أستاذا في معهد بوتلميتْ نهاية الستينات وبداية السبعينات ..

وفي مطلع السبعينات شارك المرحوم حمداً في أول مسابقة نظمتْها المدرسة العليا للأساتذة ENS الناشئة لاكتتاب الدفعة الأولى من الطلاب في سلكيْ الأساتذة والمفتشين، وكنت حاضرا في المنزل لحظةَ إعلان النتائج: حضر المرحوم محمد المختار بن اباه مدير المدرسة رئيس لجنة المسابقة يصحبه أفراد من خاصته وبعد مراسيم السلام وحديث خاطف تناول بعض العموميات قال المرحوم محمد المختار ما معناه : نحن في لجنة المسابقات جعلتنا نتائج التصحيح أمام خيار صعْبٍ : ذلك أننا إذا اتخذنا معيارًا عملَ الأستاذ حمداً كان الناجحَ وحده دون بقية المترشحين وإذا اتخذنا معيارًا عملَ ببَّ نجح ببَّ ونجح معه بعض المتسابقين وهكذا اضْطُرِرْنا إلى اعتماد هذا المعيار الأخير !!

وحتى بهذا الخيار المعتمد بقي الشيخ حمدا هو الناجح بمعايير المِنح الإلهية ولكنه لم يكن الناجح وحده هذه المرة بل نجح معه سائر الشعب الموريتاني بل والأمة الإسلامية جمعاء في الاستفادة جميعا من فكره النيّر وأدبه الجمِّ.

ذلك أن الشيخ حمدا سرعان ما عُيِّن مديرا للشؤون الاسلامية فانفتحتْ  أمامه بذلك آفاقٌ رحبةٌ جديدة لمواصلة مهمته التربوية في مجال أوسع من مؤسسة تعليمية خاصة ولصالح فئة أكثر من مجرّد طلابٍ في المدارس النظامية.

وقد صادف الشيخ حمداً ابان تقلّده مسؤولية إدارة التوجيه الاسلامي موجة إلحادية عارمة تجتاح الطلاب والشباب بصورة عامة وبرعاية من دول وجهات أجنبية فواجهها بحزم .. وكمصداق لذلك أذكر أمرين : أولهما أنني كنتُ الوسيطَ بينه وبين بعض الطلاب الحائرين في الثانوية الوطنية يأتونه ليلا في المنزل فيردُّ على استشكالاتهم حول سائر أقسام الدين وأولها الإيمان ! والثانية أنه طلب مني مرة أن أستدعي له في منزله ليلا ذلك الأستاذ الذي أخبرنا أثناء درسه يومذاك في إعدادية البنين بوجود كتاب متداول غريبٍ في موضوعه وواضعه! .. يحمل الكتاب عنوان " هل يمكننا أن نؤمن بالقرآن ؟ أما مؤلفه فهو سفير الاتحاد السوفيتي المعتمد في انواكشوط ! وفي نهاية ذلك الأسبوع خرج الدبلوماسي المؤلف في الاذاعة الوطنية يعتذر للشعب الموريتاني المسلم عن فعلته تلك . أما الكتاب فقد تابعتُ لاحقا حلقات كتبها عالم مغربي في الرد عليه نُشرت تباعا في المجلة المغربية "دعوة الحق"..وأما الأستاذ فهو محمدْ بن سيدي محمدْ حفظه الله ورعاه.

وفي ذات السياق حدثني المرحوم جمال بن الحسن أنه كان مرة هو وأحمدو بن عبد القادر والشيخ حمدا ضمن لجنة ثقافية يرأسها وزير الثقافة تمثل بعضَ ولايات الوطن فحصل خلاف حاد بينهم وبين ممثلي ولايات النهر حول موضوع ثقافي حساس . وتفاقم الخلاف حتى كادَ أن يعصف باللجنة .. قال جمال : وبعد أن يئس القوم من الاتفاق وأوشك الاجتماع  أن ينفضَّ دون جدوى ، أخذ الشيخ حمدا الكلام وطلب مني أن أترجم له إلى اللغة الفرنسية وأخذ من عظمه مرة أو مرتين ونفث دخانهُ في الهواء جانبًا وتكلم فأطرب دون أن يُطنبَ وأجاد و أفاد و أبدع و أقنع والقومُ كانما على رؤوسهم الطير . ووالله ما تعقب كلامَه أحدٌ بل كان ختام مسكٍ اكتمل به النقاش بإجماع الأعضاء حول المواضيع موضع الخلاف ورُفعتْ الجلسة وانتهى الاجتماع ! قال جمال : وما فتئ الشاعر أحمدو يستعيد ذكرَ ذلك الاجتماع بإعجاب شديد !!

وفي السياق ذاته ، حدثني الأستاذ الحسين بن محنض أن خاله محمدن بن المختار بن حامدن أخبره أنه أيامَ عمله سفيرا في المملكة العربية السعودية أخبرته المراسيم الملكية ابّانَ موسم من مواسم الحج أن الكلمة الرسمية الاعتيادية للوفود الاسلامية سيلقيها رئيس الوفد الموريتاني وكان آنذاك الشيخ حمدا ولد اتّاه وزير التوجيه الإسلامي .قال سعادة السفير ومنذ ذلك التاريخ وأنا الملازمُ للشيخ حمداً  ألح عليه في ضرورة التحضير وأعرض عليه مساعدتي فيه دون جدوى . ولما كان اليوم الموعود ونودي باسمه كانت دهشتي مُضاعفة عندما لاحظتُه يصعد إلى المنصة دون أن يصطحب معه أي ورقة ومن هنا أشفقت عليه وعلى بلاد شنقيط من بعده .. ولكن ما إن بدأ الكلام حتى انقلبت شفقتي فخرا واعتزازا إذ أنه أجاد وأفاد وألهب المشاعر وأيقظ الضمائر بحديث شيق عن تاريخ الاسلام في الجزيرة العربية فبهر الحاضرين وعلى رأسهم الملك الراحل فيصل بن عبد عبد العزيز

 

هذا وبعد إدارة التوجيه الإسلامي أصبح المرحوم حمدا ولد اتّاه وزيرا للشؤون الاسلامية ثم تقلب بعد ذلك في مناصب هامة منها :

⁃ سفير مدير في وزارة الخارجية ؛

⁃ عضو المجلس الاسلامي الأعلى ؛

⁃ عضو المجلس الأعلى للفتوى والمظالم ؛

⁃ الأمين العام لرابطة العلماء الموريتانيين.

وبعد التقاعد تفرغ الشيخ حمدا للتدريس والاستشارات وخاصة في مجال المعاملات الإسلامية.

 

مؤلفاته:

الشيخ حمدًا :

⁃ أربعون حديثا في فقه قضايا معاصرة،

⁃ اختصار موافقات الشاطبي؛

⁃ تلخيص كل من : الإتقان في علوم القرآن والخلاصة والأحكام السلطانية للماوردي؛

⁃ جدولة كل من : مختصر خليل، وعلم المنطق، وعلم البلاغة والأصول؛

⁃ وله من الأنظام : نظم الوفود ،ونظم في أحكام المساجد، ومنظومة المستجدات الفقهية ونظم الثقلاء في النقد الاجتماعي .

 

الشيخ حمدا ولد اتّاه  : الوجه الآخر ..

 

كان الشيخ حمدا بحكم خلفيته الثقافية والاجتماعية صوفيا بالفطرة وله إشراقات روحية طافحة تتجلى بصورة واضحة في حياته اليومية ولعلها هي مفتاح شخصيته .. وقد تعزز ذلك أكثر بعلاقاته الروحية الوطيدة مع الشيخ المربّي جلول الجَزيري وهو شيخ تونسي عجيب صحبه هو وشقيقه ببَّ ابان دراستهما في تونس مطلع الستينات واستمرت صلتهما به وببعض أبنائه قوية إلى حين وفاته تغمده الله برحمته الواسعة … فلا غرو إذن أنْ كان عبدا صالحا بكل ما تحمل الكلمة من معنى ..فهو روحاني وأريحي ومحببٌ إلى الجميع إذْ بسط الله له القبول بين الناس..

اعتاد الشيخ حمدا أن يقول " إن  الابتسامة توقيع بالقبول " وتطبيقا لهذه القاعدة فقد كان طلقَ الوجه طريفا بشوشا حاضر البديهة يرسم توقيعه بالقبول للجميع وعلى كل شيءٍ ..

ومن طرافته ما يتناقله عنه بعض زملائه من الفقهاء نذكر منه ما تيسر ..

قيل إن الشيخ بداه حضر مرة جلسة رسمية مع بعض العلماء لدراسة موضوع عام وكان الشيخ حمدا يرأس الجلسة وأراد الشيخ بداه أن يغادر الجلسة قبل انقضائها ودون إذن رئيسها فلما هبَّ واقفا خاطبه الشيخ حمدا قائلا :{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } فضحك الشيخ بداه ولزم مكانه !

 

ومن ذلك ملاطفاتُه الكثيرة مع لمرابط محمد سالم بن عدود ومنها على هامش السهرات الرمضانية :

 

كتب الشيخ حمدا يداعب القاضي لمرابط محمد سالم :

إذا دخل الرشاوى بيت قاض
 

 

تطايرتْ  الأمانة  من كواه
 

فكتب الشيخ عدود مُردفاً :

وإن دخلت كذلك بيتَ مفت
 

 

أتت  فتواه  تابعةً  هواه!
 

ومن مساجلاتهما المتداولة قول الشيخ حمداً في إحدى الحلقات الرمضانية :

مرَّ الجرادُ على حرثي فقلت له
فقال منه خطيب فوق سنبلة
 

 

لا تأكلنَّ ولا تهـمَمْ بإفسادِ
إنا على سفر لا بد من زادِ !
 

وفي الحلقة الموالية كتب الشيخ عدود معلقا :

ومَرَّ أيضا بمرعانا فقلت له:
فقال مالي مَـرادٌ غير تربتكم
 

 

ما ذا ؟ أمالكَ مرعًى غيرُ مُـرتاد
فأكرموا نزل هذا الرائح الغــادِي
 

وقال الشيخ حمدا مرة :

بادر أخي برزانهْ
واختر لذا الشعب ندباً
وإن ذكرت فلانا
 

 

فالاقتراع أمانهْ
يزينه في المكانه
بالخير فاذكر فلانه
 

فذيّل لمرابط محمد سالم  بقوله :

كونوا مع الشيخ حمداً
وقدروا النصح منه
 

 

فقد عرفتم مكانهْ
وعطفه وحنانهْ
 

فرد الشيخ حمدا بقوله :

عدود انت الجمانهْ
ترُدُّ كلَّ دَعِيٍّ
 

 

وأنت سهم الكنانهْ
قد لوثته الرطانه
 

ومن ذلك ما روى العلامة أحمدْ بن انّيني في تسجيل متداول بالصوت والصورة مفاده أنه اشترك مع الشيخ حمدا في برنامج تلفزيوني تلقى خلاله سؤالا من أحد المغتربين يسأل عن مدى جواز عمله المتمثل في تنظيف الأوانئ عن المحرّمات من المأكل والمشرب في مطعم غير إسلامي . قال وبعد أن أفتيت السائل بعدم جواز ذلك تدخل الشيخ حمدا فقال على وجه الدعابة : أما أنا فلديَّ رأيٌ آخر إذ أرى أن الرجل قد يكون ينظف تلك الأوانئ بنية تطهيرها من المحرمات !!

ويقول الإمام شيغالي ولد المصطفى إنه رأى مرةً في ما يرى النائم أنه حضر حفلا كبيرا لتكريم حمداً بالشعر الفصيح والعامي وأنه شارك في ذلك الحفل بگافٍ وأن الشيخ حمدا أجابه بگاف آخر. وقد استيقظ وهو يحفظ گافهُ على النحو التالي :

حمدنْ تِثْن ذِ الناسْ أعليك
مولان ذاك ألِّ عاطيك
 

 

بخلاقْ ؤ علمْ ؤ بمْرُوَّ
مايعرفُ ماهُ هوَّ
 

وقد حدثني الإمام شغالي أن قريبا له من الأئمة والعلماء رأى في ما يرى النائم أنه دائبُ السفرِ بين الحرميْن الشريفيْن : الحرم المكي والحرم المدني و قد طلب من الشيخ حمدا أن يعْبُرَ له تلك الرؤيا فضحك حمداً وقال له بداهة ما معناه : عساك تعدل بينهما إن شاء الله ، فكشف بذلك التعبير العفوي سرا عظيما لدى الرجل ! ويعلق الامام شغالي قائلا : ووالله لقد جاء تأويلُه تلك الرؤيا صادقا كفلق الصبح ! (والله يخويَ ألَّ لحگُ أربعَ).قال : وصرنا بعد ذلك كلما اجتمعنا وإياه مع الشيخ حمدا نسأله على وجه الدعابة إن كان رأى رؤيا جديدة ليعبُرها له الشيخ حمدا فيعرض عن ذلك إعراضا شديدا ! وبالمناسبة روى لي المرحوم جمال بن الحسن أن العلامة زين بن اجَّمدْ سأل مرة جمعا من الفقهاء فقال : أيكم يَعبُرُ الرؤيا ؟ فقال له أحدهم بالحسانية : أثرهَ ماه يعبِّر ُ ؟ فأجابه زينْ بداهةً : ذاك اصَّ معناهَ عنِّ غلطتن {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } فقال له الفقيه : اللهمَّ استرنا بسترك الجميل وضحك الجميع . ومعلوم أن كلا الكلمتين صحيح .


 

الشيخ حمداً الشاعر :

 

جئتُ الشيخ حمدًا بعد عودته من مؤتمر إسلامي كبير منعقد في ليبيا كان فيه ضمن وفد يرأسه وزير الخارجية الأسبق المرحوم حمدي بن مكناس . وقال لي : خلال هذا المؤتمر كان لي موعدان مع الشعر. أولهما أن ممثل جزر القمر واسمه عمر التفت إلي فجأةً في إحدى الجلسات وقال : أنتم الشناقطةُ ترتجلون الشعر ارتجالا فهلاّ أريتنا نموذجا من ذلك ؟ قال فأنشأتُ وأنشدتهُ البيت التالي :

من أحسن الأشياء أن تلقى عمرْ             عمرٌ أتى كيما ينوب عن القمر !

فاستحسن ذلك المؤتمرون .. أما الثانية فهي أنني قلت في إحدى الجلسات بيتين في موضوع المؤتمر وفي الليلة الموالية اتصل علي المرحوم حمدي ولد مكناس في ساعة متأخرة من الليل وقال لي إنه اتفق مع الرئيس القذافي على أن يصبح البيتان قصيدة تُلقى صباح غدٍ في الجلسة الختامية للمؤتمر باعتبارها شعارا له . وهكذا لم يكن بحوزتي من الأوراق سوى هذا الكرتون و قدم إلي القصيدة مكتوبة في ورق مقوَّى من النماذج الذي تُلفُّ حولها الفساتين الجديدة !!

وكانت تلك مناسبة لأن أستنسخ تلك القصيدة و أن نبدأ معا جمع ديوانه المفقود يمليه علي مباشرة من حفظه من حين لآخر ! ولا تزال لدي تلك الأمالي محفوظة

و للشيخ حمداً ديوان شعر يتميز بالسلاسة وقرب المأخذ مع الجودة، ولك كشاهد على ذلك قوله بعد رؤيا رآها بالنبي صلى الله عليه وسلم:

ادخلْ بذاتك عالمَ الأكوان
انظر لهذا الوجه فهو صحيفةٌ
 

 

وانظر جمال فتى بني عدنان
كتبت عليه حقائق العرفان!
 

وقال إنه رأى مرة في ما يرى النائمُ أنه أنشأ القطعة التالية واستيقظ وهو يحفظها :

سبحانك اللهم يا متعالي
وميسر الأمر العسير ليسره
حول إلى نهج السعادة أمرنا
 

 

ومغير الأحوال بالأحوالِ
ومبدل الأجيال بالأجيال
في الجاه والتوظيف والأحوالِ
 

وله أيضا:

ربّ إني كما علمتَ فقيرُ
وحسابي مهدد من خفيّ
فافتح الباب يا كريم سريعا
 

 

ورجائي فيما لديك كبيرُ
وحياتي في شكلها تبذير
يا لطيفٌ بخلقه يا خبير
 

وله كذلك هذا التوسل الذي قال لي إنه نسجه اقتباسا من قول خاله القاضي اميي بالحسانية:

أخير السبَّ من لگعادْ
ألِّ عاطِ فات الجوّادْ
والسبَّ للِّ ماهُ زادْ
 

 

والسبّ گاعْ ابلا مفادْ
راهُ عاطيهْ ابلا سبَّ
لاهِ يعطِ ماهِ سبَّ !!
 

قال الشيخ حمداً:

علمتني أن لن يكون سوى الذي
فسكنتُ في ظل القضاء مسلِّما
وأريتني أن الحقيقة ذاتَها
وأمرتني عند الحوائج بالدعا
وإذا حبوتَ العبد منك بحاجة
 

 

تختاره أرضى بما تختار
والنفس في طيّاتها الأوطارُ
ما للعبيد بيمّها إبحارُ
فدعوتُ يا وهابُ يا قهّارُ
لبّاهُ عند دعائه الأقدار ُ !
 

وله كذلك :

خذني المراسل ليلة الإسراء
هذا البراق مقدم لمحمد
ياتي به الروحُ الأمينُ محمدًا
هذي بلاد القدس في حفلاتها
‎في المسجد الأقصى وقفتَ أمامهمْ
والرسل بين مرحب بأخوّةٍ
ومضى يتابع في السما إسراءه
والموكب النبويُّ أصبح هيبةً
ما ذا أقول السر أصبح غامضا
‎يدعوك عنهُ نحوه في ليلةٍ
 

 

كيما أحدث ساكني البطحاء
صلى عليه مكوّن الأشياء
تبدو عليه علامةُ استحياء
‎والرُّسلُ فيها حلقة للرائي
‎رمزا لتلك الرتبة العلياء
وبنوّةٍ من أكرم الأبناء
كيما يلبّيَ دعوة الإسراء
وسكينةً تسري إلى أجزائي
‎والذات بين تخوفٍ ورجاء
أَكرِم بتلك الليلة الغرّاء
 

‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎ ومن جيّد شعره قوله :

انظرْ إلى هذا الوجود فإنه
نظر المفكر نحوه فتتابعت
سر الحقيقة في الحقيقة كامنٌ
ما ذا عرفت من الوجود وسره
فككتُ منه ذرةً عن شكلها
وذهبت في الصاروخ تكتشف الفضا
لو يمنع الانسان نور عيونه
لو أعطي الانسان سادس حسه
فكر وراء الكون تعلمْ سره
الفكر إلا بالرسالة قاصرٌ
لا تسمع التصفيق فهو مضلة
واعرف لنفسك جهلها إن الفتى
واعرف لربك حقه حقا ولا
 

 

لغزٌ يحار العقل في تعليله
نقط السؤال وحار في تحليله
لا تستطيع البتّ في تفصيله
يا من يحاول أن يسير بجيله
هلا تركتَ الذرّ في تشكيله ؟!
ما ذا عرفت من الفضا وجميله
ما أدرك الألوان في تمثيله
لبدا خفيّ كان في منديله
لا تجعل التفكير في إكليله
حِلَق الرسالة جئنَ في توصيله
تنسي الحكيم وصوله لسبيله
دعوى العلوم تزيد من تضليله
تفصل ذرى القرآن عن إنجيله !
 

وله كذلك :

الله أكبر إنه الإيمانُ
ضحك العدوّ وظنها ألعوبةً
نور من الوحي المقدس هزّنا
يا آسيا افريقيا أختٌ لكم
هيّا لنبني أمةً قد مُزِّقتْ
لا يا عدوُّ فنحن أهل حضارة
في الحكم في الأخلاق في عاداتنا
هيّا إلى نيل الشهادة إنها
فالله جلّ قد اشتراكمْ منكمُ
 

في عُقدة قد أبرمتْ فوق السما
لبّيك إنا سائرون لقدسنا
 

 

قد ضمنا ودليلنا القرآنُ
حتى تفجّر حوله البركانُ
لا القُطر لا التمييز لا الألوان
وحْي السماء لمجدكم عنوان
أوصالها أودى بها العدوان
سيقوم بعد سقوطها البنيانُ
في فكرنا ولْيخسأْ الشيطانُ
لهْي الحياة وغيرُها خُسرانُ
فاستبشروا يا أيها الإخوانُ
 

لا تنقضوا ما أبرم الرحمان
ولْيسقط الأعداء أيا كانوا !
 

وله في ذات السياق  :

وقف الدين يندب المسلمينا
وأقاموا من الدعاوى عليه
سألوه عن التقدم لمّا
سألوه عن ما ادّعته اوروبّا
سألوه عن النساء وقالوا
فارقصي يا فتاتنا ولتغنّي
وتحدى من آل حامٍ محامٍ
أعدموا الدين إنه قد سبانا
وتعاطى المحلّفون رموزا
وانبرى الدين والوقار عليه
سامحوني فإنني كنت أحجو
غير أنّي وجدت عقلا دخيلا
 

 

ودعاه المحلفون يمينا
ما كفاه بأن يكون مدينا
وقفوا في طريقهم حائرينا
مذهب الحق منهج المصلحينا
إن حق البنات حق البنينا
والعبوا يا بنون في اللاعبينا
فوّضوه وكالة المدّعينا
إن نسيتم فإننا ما نسينا
لخصوها في أن يموت سجينا
في هدوء يستسمح السامعينا:
من أراهم من تربتي أجمعينا
والعقول الدخيلة اليوم فينا !
 

وله أيضا :

إنّي نسيت حقيقة عنواني
إن قلت إني مؤمن بسياسة
أو قلت إني مؤمن بوجودها
وإذا ذكرت حضارة عربية
هذي جيوبي فافحصوها جهرة
 

 

وبدأت أسأل كل من يلقاني
مأخوذة من مصدر رباني
حكموا عليّ بأنني إخواني
قالوا بأني عنصريٌ ثاني
ولتفحصوا من بعدها إيماني !
 

وله في التوجيه الاجتماعي :

أعطوا الفتاة كرامةَ الإنسان
لطفاً بها فلها غرائز وحدها
في جسمها تبدو الفوارقُ ما لَنا
ولنا ميول نحوها أَعَدالةٌ
أمِن العدالة أن تبوح بحسنها
أمن العدالة أن نكلف كفّها
الشرع كمَّل نقصها بكمالنا
إن الولادة إن تكن فوضى أتت
والحب تخمُد ناره إن لم يكن
حِكمٌ أراد الله أن تبقى لنا
تلك الحقيقة مالها من منكر
نادى بها "گراي" وهي حقيقة
راعوا لها تلك الحقوق وأنها
صلى عليه الله ما ستر البَهَا
 

 

إن الفتاة لها المحل الثاني
وبها تُميّزُ عن بني الإنسان
ننسى الفوارقَ ساعةَ البرهان
تركُ الفتاة فريسةَ الفتيان
إن الجمال بضاعةُ النسوان
حفظَ البيوت ونهضةَ الأوطان
سرُّ البقاء تزاوجُ الأكوان
أجيالها فوضى وفي خسران
جسمُ الفتاة يُصان في الأردان
وبها البقاء مخلَّدٌ في آن
إن الحقائق مدفع الإذعان
نادى بها الرحمان في القرآن
أنثى تَدين بشرعة العدنان
ثوبٌ يرد على جمال فان!
 

ومن طريف شعره قولُه:

تَشكَّلْ فإن العصر عصر تشكلٍ
تشكلْ فإن المرء يفقِد وزنه
فكم مِن بسيط زيَّن الشكلُ حظَّهُ
 

 

ودع جانب المضمون في زي مُهْمَلِ
إذا لم يكن في موضة المُتشكل
وكم مِن رفيعٍ حطه الشكلُ مِن عَلِ
 

ومن طريف شعره :

كنْ راضيا بسيرك المُمتِعِ
ولا تقل حقي ولا حقهُ
و الخلقُ في طريقه واردٌ
فمنه مَن يمشي على بطنهِ
 

 

و امشِ مع الناس على المهيعِ
فالمدّعى عليه كالمدعي
وصادرٌ يجري إلى مَجْمَع
و منه من يمشي على أربع
 

مختارات من نظم الثقلاء :

و بدأت يداه في أعمال
من أنفه وفمه ومن شَعرْ
وربما يلف تحت المطله
ثم ثنى وسادة بريئه
ووخز المطلة والكرسيا
ودورة المياه إن أتاها
وبعد ذا يتركها مفتوحه
وحولها من ورق مبلول
وبعضهم ياتيك في وقت العملْ
يقلب الهاتف والأوراقا
لحاجة شخصية مستعجلهْ
وبعضهم ينفض قبل الأكل
وعدَّ بين الثقلا من يأتي
لراحة القلب من الأعمال
وعدَّ منهم صاحب الأشعار
وقاطع الكلام بالكلام
وجالس بالقرب يوم الحرِّ
وعطرُ من للذوق لم يوفق
 

 

تكدر الصفو بكل حال
وجلده يرمي الذي قد انتثرْ
ومفردا ياتي وياتي جمله
ليس لها ذنب ولا خطيئه
بإصبعيه عبثا مليا
رفع سمكها وما سواها
مياهها جارية مكفوحهْ
ما يمنع الداخل من دخول
مزودا بطاقة من الكسلْ
ويجعل الوقت له اطلاقا
وحاجة رسمية مفتعلة
يديه حول الناس بعد الغسل
عند خروجك إلى الساحات
لجلسة طويلة المجال
وصاحب الأنباء والطواري
وداخل من غير ما سلام
لاسيما إن لم يكن ذا جر
وذو الدخان في المكان المغلق
 

 

فصل الرثاء في شعر الشيخ حمداً بن اتَّاهْ..

 

في رثاء جمال عبد الناصر :

يا بانيَ المجد العظيم السامي
يا بانيَ الوطن العظيم لأمة
 

 

يا صانع التاريخ في الأيام
كانت تعيش بعالم الأوهام
 

إلى أن يقول :

أجمال ندعو والدموع ذوارفٌ
فارقتَنا في ليلة المعراج في
سيظل شخصك في النفوس مصوَّرا
الخ…

 

ونرى فراغك في المكان السامي
حفل من الأرواح والأجسام
ويظل فكرك منبعَ الإلهام
 

رثاءُ الشيخ عبدُ الله بن الشيخ باب بن الشيخ سيديا:

قالوا نعيت فحطمت أركاني
وتكاثرت فيك الهواجس هاجس
ما كنت أحسب أن تغادر منزلا
ونسيت أنك ذو طموح ربما
إن غيبوك عن العيون فقد
وطبعت في أذهاننا صورا بها
في صورة تحيا جبينك ساجد
في صورة تحيا وكفك منفق
في صورة تحيا وحولك حلقة
ألفيت هالة مجدكم فدخلتها
فرفعت من شأن البلاد وأهلها
ناديت بالإسلام في إفريقيا
نم ب"السلامة" في ضريحك ءامنا
لا تخش من أمر الرعية حادثا
مادام فيهم فتية غذيتهم
صلى عليه الله جل جلاله
 

 

وتساقطت من جذعها أغصاني
يبكي وآخر خاشع الأجفان
أكملت فيه الخير بالإحسان
أداك نحو العالم الروحاني
بقيت مخلدا في عالم الأذهان
تحيا مع الأفراح الأحزان
متصدع من خشية الرحمان
عددا من الفتيات والفتيان
يتدارسون معارف القرآن
ومن الحداثة لم تصل لثمان
فدعوك كهف الحائر الولهان
ورفعته متماسك البنيان
فالله يكلؤ جملة الإخوان
يجري مع الأيام والحدثان
روح الشريعة ملة العدناني
ما ناح قمري على أفنان
 

رثاء أحمدُّ بن المختار:

وداعا يا بن زائدة الأيادي
وداعا للفتوة يوم ولت
على الفيّاض أحمد يوم ولَّى
وداعا للسيادة والمعالى
فسل عنه القبيلة إن ألمت
سيخبرك العفاة بما حباهم
وإنا والقلوب بها جراح
أباة قد تغذوا من أبي
ولا زالت من الرحمات تترى
على قبر تضمنه وفاحتْ
صلاة الله يشفعها سلام
 

 

ويا معن العشيرة والبلاد
تشاركها السماحة فى الحداد
وأضحى الجوُّ يرفل فى السواد
وإنفاق الطريف مع التلاد
ملمات الحوادث والعوادي
وهذي الحال شاهدة تنادي
لنفخر بالبنين على الأعادي
كرام قد تربوا من جواد
هتون من مداليج الغوادي
له النفحات تحمل عرف جاد
على خير البرية خير هاد
 

رثاء الإمام المختار "توتاه" بن أبنُ بن الاَمانه:

توتاهُ يا نهرَ الحيا الرقراق
تسعون عاما ثم عام  بعدها
إن أنس لا انساك في أندائنا
فى ساحة المحراب حولك حلقة
تتلو كتاب الله تجلو حسنه
وتراه يُصغي للحديث بقلبه
يعطى البسيط من الأنام مكانة
قبسٌ من أخلاق النبوة ساطع
بمحمد وبأحمد نسماتُها
تلك السيادة لا سيادة فوقها
 

 

فى ذمة الله القديم الباقي
كرستها لمكارم الأخلاق
متهللا بجبينك البراق
يتأملون بدائع الخلاق
بين الطباق وأحرف الإطباق
ولعله قد شاع فى الآفاق
حتى يُظنَّ على مكان راق
شاء الغروبَ فرُدَّ للإشراق
أزكى من النسرين فى الأحقاق
حلّت ذويك بأحسن الأطواق!
 

رثاء عبد الرحمن بن السالك ( النحْ علما ):

 

يا عابد الرحمان في وقت السحر
في ذمة الله الكريم مودَّعا
 

 

يا سالك النهج القويم المعتبر
…………………………

رثاء سيدي محمد "حَمَّ " بن عابدين الصعيدي:

لله ما أزكى وما أطهرا
قطب نمته عترة طُهِّرت
من أهل ذاك البيت من أصبحوا
كنا إذا ما مسنا دهرنا
نراه في يقينه باسما
كأنني بوجهه واضعا
كأنني بوجهه رافعا
نراه من سجوده دائما
يحرك القلب إلى ربه
وتسمع القلوب ترتيله
إن كان في ذهابه راغبا
فنحن من فراقه نالنا
والحمد لله لنا بعده
فذاك ناج جلعد بعده
شيخان حازا سره بعده
لا زال ذاك السر في بيتهم
فإنني للازم غرزهمْ
حتى أنال المرتجى بينهمْ
يا سيد الأنام خذ راحتي
إن عاقت الأشباح عن رؤيتي
صلى عليك الله ما رنحت
 

 

حمَّ الشريف العارف الأزهرا
من بضعة من معشر طهرا
لكل خير نازل مصدرا
نجعله الملجأ والمخفرا
فتالف النفس به أكثرا
لربه جبينه في الثرى
يديه يدعو ربه في البرى
ختما على جبينه أثرا
إن رجّع التهليل أو كبرا
فتخشع الآذان مما قرا
ليلحق الركب الذي هجرا
ما قد ينال النفس مما جرى
من زين المحراب والمنبرا
وذاك شيخ شبله في الشرى
فأظهرا السر الذي أظهرا
وزاده من فضله أكبرا
وإنني لممسك بالعرى
إذا أتيت النشر والمحشرا
إلا فإني ضائع في العرا
فهب لعين القلب أن تنظرا
حمامة ورقاء غب السرى
 

رثاء لمرابط محمد سالم ولد عدود رحمه الله :

لا يا مذيع فإنها أنباءُ
ما غاب عن أم القرى عدودها
سيظل بين الكتب وهو مبيِّنٌ
سيظل والطلاب في جنباته
سيظل في بيت القضاء موفقا
سيظل في آدابه متفننا
سيظل في محرابه متعبدا
وترى العفاة ببابه قد حلقوا
إن كان فارقنا الغداة فإننا
بيت بناه الله من أمجادهم
لا زال ذاك البيت في أمجاده
عدود يا رمز الفتوة والندى
في رحمة الرحمن في جناته
ثم الصلاة على النبي محمد
 

 

قد روجتها بيننا الأعداءُ
عدود في أرجائها أصداء
إجمال ما لم تدره العلماء
يتبادرون وكلهم إصغاء
حكم القضاء وحوله الخصماء
قد أعجبت من سحره الفصحاء
لله جل وقلبه وضاء
والكف منه منفق معطاء
نلقي البنين وكلهم نقباء
قد اسسوه وكلهم صلحاء
آل المبارك سادة عظماء
من أذعنت لمقامه الحكماء
في روضة أفنانها غناء
ما رنحت من شوقها ورقاءُ !
 

 

وفاته ..

 

حدثني ذو ثقة قال : سافرتُ مرة مع الشيخ حمدا من ابَّيْر التَّورس إلى انواكشوط ، فلما قطعنا مسافة حوالي  عشر (10) كيلومترات من القرية على الطريق الرابط بين المذرذرة وتگندْ صادفنا إشارة مقبرة المدرومْ فالتفت إلي الشيخ فجأة وقال لي بالحسانية :" آن بعد إلى متْ ديرون فالمدرومْ فيهْ والدي ؤ يوخظْ حد من الطريق زانْ وإشوف إشارتْ الصالحين و إوفّيلِ "!

وفي 12 فبراير 2024 ، توفي الشيخ حمدا ولد اتاه فكانت وفاته ثلمة في الدين والأدب وتم تنفيذ وصيته فدُفن بجوار والده وبعض من أفراد أسرته الخاصة في مقبرة المدروم الوارد ذكره أكثر من مرة في شعر امحمد بن أحمد يورة الشعبي والفصيح .. وبالمناسبة حدثني العبد الصالح محمدن بن أحمدُّ بن المختار حفظه الله أن جدته لأمه النومَ منت أحمد بن أچفغَ حدثته أن منازل الحي كانت مرة على كثيب المدروم قبل أن يصبح مدفنا ، وأن امحمد بن أحمد يوره كان يقول لهم :" لقد أراني الله في هذا المكان من أرواح الصالحين الشيء الكثير "..

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

نشر بتاريخ: 08-05-2025 16:53